فصل: الجهالة في الوصيّة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


جهاز

التّعريف

1 - الجهاز بالفتح، والكسر لغة قليلة، وهو اسم لما يحتاج إليه الغازي في غزوه أو المسافر في سفره، وما تزفّ به المرأة إلى زوجها من متاع‏.‏ يقال‏:‏ جهّز الجيش إذا أعدّ له ما يحتاج إليه في غزوه‏.‏ وجهّزت فلاناً‏:‏ هيّأت له جهاز سفره، وجهّز بنته هيّأ ما تزفّ به إلى زوجها‏.‏ ويطلق أيضاً على ما على الدّابّة من سرج وإكاف، ونحوه‏.‏

ولا يخرج في الاصطلاح عن هذا المعنى‏.‏

الحكم التّكليفيّ

أ - تجهيز الغازي‏:‏

2 - تجهيز المثبتين في ديوان الجند من الغزاة في سبيل اللّه واجب باتّفاق الفقهاء، ومحلّه في بيت مال المسلمين، فإن لم يوجد فعلى أفراد المسلمين وأغنيائهم‏.‏

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ‏}‏

وفي الأثر المتّفق عليه‏:‏ «من جهّز غازياً في سبيل اللّه فقد غزا، ومن خلفه في أهله خيرا فقد غزا» والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏جهاد‏)‏‏.‏

ب - تجهيز الميّت‏:‏

3 - جهاز الميّت واجب - وهو ما يلزم - من كفن وغيره، ومحلّه‏:‏ تركته، ويقدّم التّجهيز على سائر الحقوق المتعلّقة بالتّركة، فإن لم توجد فعلى من تجب عليه نفقته في حياته من قرابته، فإن لم يوجد فبيت مال المسلمين، ثمّ على أغنياء المسلمين‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏تجهيز‏)‏‏.‏

ج - جهاز السّفر في الحجّ‏:‏

4 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ وجود جهاز السّفر من زاد وراحلة من شروط وجوب الحجّ‏.‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً‏}‏‏.‏ «وسئل النّبيّ صلى الله عليه وسلم ما السّبيل فقال‏:‏ الزّاد والرّاحلة»‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏حجّ‏)‏‏.‏

د - جهاز الزّوجة‏:‏

5 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لا يجب على المرأة أن تتجهّز بمهرها أو بشيء منه، وعلى الزّوج أن يعدّ لها المنزل بكلّ ما يحتاج إليه ليكون سكناً شرعيّاً لائقاً بهما‏.‏

وإذا تجهّزت بنفسها أو جهّزها ذووها فالجهاز ملك لها خاصّ بها‏.‏ حتّى لو كان الزّوج قد دفع أكثر من مهر مثلها رجاء جهاز فاخر، لأنّ المهر في مقابل المتعة، والشّيء لا يقابله عوضان‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏تجهيز‏)‏‏.‏

تملّك المرأة الجهاز

6 - إذا جهّز الأب ابنته بأمتعة من غير تمليك بصيغة فهل تملك بتسلّمه والتّسليم لها‏؟‏ اختلف الفقهاء في ذلك‏.‏

فذهب الشّافعيّة إلى أنّها لا تملك الجهاز إلاّ بتمليك لها بصيغة، كأن يقول‏:‏ هذا جهاز بنتي فيكون إقراراً بالملك لها، وإلاّ فهو عاريّة‏.‏

ويصدق بيمينه إذا ادّعاه في حياتها أو بعد موتها‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إنّ تجهيز الأب ابنته أو أخته بجهاز إلى بيت زوجها تمليك‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إذا جهّز الأب ابنته من ماله دون أن يصرّح أنّ هذا منه هبة لها أو عاريّة منه لها، وادّعى بعد نقل الجهاز إلى دار الزّوج أنّه كان عاريّة‏.‏ وادّعت أنّه كان تمليكاً بالهبة فالقول قولها إذا كان العرف يشهد بأنّ هذا الجهاز المتنازع عليه يقدّمه الأب لابنته هبة منه‏.‏ وإن كان العرف جارياً بأنّ الأب يقدّمه عاريّة فالقول قول الأب‏.‏

وإن كان العرف متضارباً فالقول قول الأب إذا كان الجهاز من ماله‏.‏

أمّا إذا كان ممّا قبضه من مهرها فالقول قولها، لأنّ الشّراء وقع لها حيث كانت راضية بذلك، وهو بمنزلة الإذن منها‏.‏ وانظر أيضاً مصطلح‏:‏ ‏(‏مهر‏)‏‏.‏

جهالة

التّعريف

1 - الجهالة لغة‏:‏ من جهلت الشّيء خلاف علمته ومثلها الجهل، والجهالة أن تفعل فعلاً بغير العلم‏.‏

وأمّا في الاصطلاح‏:‏ فإنّ استعمال الفقهاء لهذين اللّفظين يشعر بالتّفريق بينهما،فيستعملون الجهل - غالباً - في حالة ما إذا كان الإنسان موصوفاً به في اعتقاده أو قوله أو فعله‏.‏

أمّا إذا كان الجهل متعلّقا بخارج عن الإنسان كمبيع ومشترى وإجارة وإعارة وغيرها، وكذا أركانها وشروطها، فإنّهم في هذه الحالة غلّبوا جانب الخارج، وهو الشّيء المجهول، فوصفوه بالجهالة، وإن كان الإنسان متّصفاً بالجهالة أيضاً‏.‏

وهذا البحث مراعى فيه المعنى الثّاني‏:‏ أمّا المعنى الأوّل فينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏جهل‏)‏‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الغرر‏:‏

2 - الغرر لغة الخطر والتّعريض للهلكة، أو هو ما له ظاهر محبوب وباطن مكروه، وغرّ يغرّ غرارة وغرّة فهو غارّ، وغرّ‏:‏ أي‏:‏ جاهل بالأمور غافل عنها‏.‏

وغرّ الرّجل غيره يغرّه غرّاً وغروراً فهو غارّ والآخر مغرور أي خدعه وأطمعه بالباطل‏.‏ وأمّا في الاصطلاح فقد قال الرّمليّ‏:‏ الغرر ما احتمل أمرين أغلبهما أخوفهما، وقيل ما انطوت عنّا عاقبته‏.‏

3 - قال القرافيّ‏:‏ اعلم أنّ العلماء قد يتوسّعون في عبارتي الغرر والجهالة فيستعملون إحداهما موضع الأخرى‏.‏ ثمّ يفرّق القرافيّ بين قاعدة المجهول وقاعدة الغرر بقوله‏:‏ وأصل الغرر هو الّذي لا يدري هل يحصل أم لا‏؟‏ كالطّير في الهواء والسّمك في الماء‏.‏

وأمّا ما علم حصوله وجهلت صفته فهو المجهول كبيعه ما في كمّه فهو يحصل قطعاً، لكن لا يدري أيّ شيء هو‏.‏ فالغرر والمجهول كلّ واحد منهما أعمّ من الآخر من وجه وأخصّ من وجه فيوجد كلّ واحد منهما مع الآخر وبدونه‏.‏

أمّا وجود الغرر بدون الجهالة، فكشراء العبد الآبق المعلوم قبل الإباق لا جهالة فيه وهو غرر لأنّه لا يدري هل يحصل أم لا‏؟‏‏.‏

والجهالة بدون الغرر كشراء حجر لا يدري أزجاج هو أم ياقوت‏؟‏ مشاهدته تقتضي القطع بحصوله فلا غرر، وعدم معرفته تقتضي الجهالة به‏.‏

وأمّا اجتماع الغرر والجهالة فكالعبد الآبق المجهول الصّفة قبل الإباق‏.‏

4 - ثمّ الغرر والجهالة يقعان في سبعة أشياء‏:‏

- 1 - في الوجود، كالآبق قبل الإباق‏.‏

- 2 - والحصول إن علم الوجود كالطّير في الهواء‏.‏

- 3 - وفي الجنس كسلعة لم يسمّها‏.‏

- 4 - وفي النّوع كعبد لم يسمّه‏.‏

- 5 - وفي المقدار كالبيع إلى مبلغ رمي الحصاة‏.‏

- 6 - وفي التّعيين، كثوب من ثوبين مختلفين‏.‏

- 7 - وفي البقاء كالثّمار قبل بدوّ صلاحها، فهذه سبعة موارد للغرر والجهالة‏.‏

ب - القمار‏:‏

5 - القمار لغة‏:‏ الرّهان‏:‏ يقال‏:‏ قامر الرّجل غيره مقامرة وقماراً‏:‏ راهنه، وقامرته قمارا فقمرته‏:‏ غلبته في القمار‏.‏ والميسر‏:‏ قمار أهل الجاهليّة بالأزلام‏.‏

قال أبو حيّان‏:‏ وأمّا في الشّريعة فاسم الميسر يطلق على سائر ضروب القمار‏.‏

فالقمار عقد يقوم على المراهنة وهو أخصّ من الجهالة، لأنّ كلّ قمار فيه جهالة، وليس كلّ ما فيه جهالة قماراً فمثلاً بيع الحصاة - وهو أن يقول المشتري‏:‏ أيّ ثوب وقعت عليه الحصاة الّتي أرمي بها فهو لي - قمار كما يقول ابن رشد، وهو في الوقت نفسه فيه جهالة فاحشة‏.‏

ج - إبهام‏:‏

6 - من معاني الإبهام أن يبقى الشّيء لا يعرف الطّريق إليه‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ إبهام‏)‏‏.‏

د - شبهة‏:‏

7 - الشّبهة‏:‏ ما يشبه بالثّابت وليس بثابت‏.‏

ويقال‏:‏ اشتبهت الأمور وتشابهت‏:‏ التبست ولم تتميّز، وتقول‏:‏ شبّهت عليّ يا فلان‏:‏ إذا خلط عليك، واشتبه الأمر إذا اختلط‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ شبهة‏)‏‏.‏

أقسام الجهالة‏:‏

الجهالة على ثلاث مراتب

8 - الأولى‏:‏ الجهالة الفاحشة‏:‏

وهي الجهالة الّتي تفضي إلى النّزاع وهي تمنع صحّة العقد، ومن شرط صحّة العقد أن يكون المعقود عليه معلوماً علماً يمنع من المنازعة‏.‏

ومن الجهالة الفاحشة بيوع الغرر الّتي نهى عنها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كبيع حبل الحبلة، وبيع الملامسة، والمنابذة، والحصاة، وبيع المضامين، والملاقيح، فهذه ونحوها بيوع جاهليّة متّفق على تحريمها، وهي محرّمة لكثرة الغرر والجهالة الفاحشة فيها‏.‏

وينظر كلّ منها في موطنه‏.‏

9- الثّانية‏:‏ الجهالة اليسيرة‏:‏

وهي الجهالة الّتي لا تؤدّي إلى المنازعة، وهي جائزة اتّفاقاً وتصحّ معها العقود وذلك كأساس الدّار وحشوة الجبّة ونحو ذلك‏.‏

10 - الثّالثة‏:‏ الجهالة المتوسّطة‏:‏

وهي ما كانت دون الفاحشة وفوق اليسيرة‏.‏

وقد اختلف فيها الفقهاء هل تلحق بالمرتبة الأولى أو الثّانية‏؟‏

وسبب اختلافهم فيها أنّها لارتفاعها عن الجهالة اليسيرة ألحقت بالجهالة الفاحشة ولانحطاطها عن الكثيرة ألحقت باليسيرة‏.‏

ومن البيوع الّتي توجد فيها هذه الضّروب من الغرر والجهالة بيوع منصوص على تحريمها شرعاً، منطوق بها، وبيوع مسكوت عنها، والمنطوق به أكثره متّفق على تحريمه، وبعضه اختلفوا فيه، ومنه ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام من النّهي عن بيع السّنبل حتّى يبيضّ‏.‏ ونهيه عن بيع العنب حتّى يسودّ‏.‏ وانظر مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع فاسد، ف /9‏)‏‏.‏

أحكام الجهالة

تبيّن ممّا سبق مراتب الجهالة إجمالا عند الفقهاء من حيث فحشها وقلّتها، وما تردّد بينهما، وفيما يأتي توضيح لأثر ذلك في أبواب الفقه المختلفة‏:‏

الجهالة في البيع

11 - تقدّم في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع‏)‏ أنّ من شروط صحّة البيع أن يكون المبيع والثّمن معلومين علما يمنع المنازعة، فإن كان أحدهما مجهولاً جهالة فاحشة وهي الّتي تفضي إلى المنازعة فسد البيع، والفساد عند غير الحنفيّة هنا بمعنى البطلان، فلا يقبل التّصحيح‏.‏ وأمّا عند الحنفيّة، فإن تعلّقت الجهالة بمحلّ العقد، كبيع المعدوم والمضامين والملاقيح كان العقد باطلا عندهم‏.‏ وإن تعلّقت ببعض أوصاف المبيع أو كانت في الثّمن فالبيع فاسد، لكنّه يقبل التّصحيح بالقبض أو التّعيين إذا وقع في المجلس‏.‏

وكذلك يفسد البيع إذا كانت جهالة الأجل فاحشة، كقدوم زيد مثلاً أو موته، لأنّها على خطر الوجود والعدم ‏(‏وانظر‏:‏ بيع، وبيع فاسد / ف 9 / 12‏)‏‏.‏

ومن شروط صحّة البيع أيضاً أن يكون المعقود عليه موجوداً حين العقد، أمّا إذا كان معدوما فلا يصحّ العقد للجهالة الفاحشة‏.‏

وفيما يلي بيان ما يفسد من البيع بسبب الجهالة إجمالاً‏.‏

والجهالة في عقد البيع قد تكون في صيغة العقد، أو في المبيع، أو في الثّمن،أو غير ذلك‏.‏

أ - الجهالة في صيغة العقد‏:‏

الجهالة في صيغة العقد تكون بإجراء العقد على صفة لا تفيد العلم الّذي يقطع النّزاع‏.‏

وهي تتحقّق في مواضع منها ما يلي‏:‏

البيعتان في بيعة

12 - اختلف الفقهاء في تعريف البيعتين في بيعة مع التّفصيل‏.‏

وأحد هذه التّعريفات‏:‏ أن يقول البائع‏:‏ بعتك بكذا حالّاً، وبأعلى منه مؤجّلاً ويوافق المشتري ويتمّ العقد على الإبهام ويفترقان على ذلك‏.‏ وقد ورد النّهي عن هذا البيع بما رواه أبو هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الرّبا»، وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيعتان في بيعة‏)‏‏.‏

بيع الحصاة

13 - بيع الحصاة من بيوع الجاهليّة وهو البيع بإلقاء الحجر‏.‏

وقد ورد «نهي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر»‏.‏

وقد تقدّم في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع الحصاة‏)‏ اختلاف الفقهاء في تعريفه، وأنّ علّة النّهي الجهالة وتعليق التّمليك بالخطر‏.‏

بيع الملامسة والمنابذة

14 - بيع الملامسة والمنابذة من بيوع الجاهليّة وقد «نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عنهما»‏.‏

وعلّل الحنابلة فساد بيع الملامسة بعلّتين‏:‏ الجهالة، وكونه معلّقا على شرط‏.‏

وعلّل الشّوكانيّ بالغرر والجهالة وإبطال خيار المجلس‏.‏ وأمّا بيع المنابذة فقد علّل الفقهاء من الحنفيّة والحنابلة فساده بالأحاديث الواردة بالنّهي عنه، وبالجهالة وبتعليق التّمليك بالخطر‏.‏ وقد سبق تفصيل الكلام عليهما في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع منهيّ عنه‏)‏‏.‏

ب - الجهل بالمبيع‏:‏

15 - يتحقّق الجهل بذات المحلّ كما لو باع قطيعا إلاّ شاة غير معيّنة، أو شاة من هذا القطيع‏.‏ ومثله ما لو باع بستاناً إلاّ شجرة غير معيّنة فإنّ البيع غير صحيح للجهالة المفضية إلى المنازعة‏.‏ أمّا لو عيّن المستثنى فإنّ البيع صحيح لزوال الجهالة‏.‏

وقد تقدّم ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع‏)‏ مع التّفصيل واختلاف الفقهاء‏.‏

16 - ولا يصحّ بيع مجهول الصّفة عند جمهور الفقهاء إذ لا بدّ من ذكر جميع الأوصاف قطعا للمنازعة النّاشئة عن الجهالة، وذهب بعض الحنفيّة وبعض الشّافعيّة إلى صحّة بيع مجهول الصّفة، لأنّ للمشتري خيار الرّؤية الثّابت له فله أن يردّ المبيع عند رؤيته وبذلك تنتفي الجهالة‏.‏

بيع ما يكمن في الأرض

17 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى عدم جواز بيع ما يكمن في الأرض قبل قلعه، كالبصل والثّوم والفجل والجزر ونحوها، لأنّه بيع مجهول لم ير، ولم يوصف، فهو من الغرر المنهيّ عنه في حديث النّهي عن بيع الغرر، فأشبه بيع الحمل‏.‏

وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى جواز بيعه‏.‏

أمّا الحنفيّة فأثبتوا للمشتري الخيار عند قلعه‏.‏

وأمّا المالكيّة فقد قيّدوا صحّة البيع بشروط ثلاثة‏:‏

أ - أن يرى المشتري ظاهره‏.‏

ب - أن يقلع منه شيء ويرى‏.‏

ج - أن يحزر إجمالاً، ولا يجوز بيعه من غير حزر بالقيراط أو الفدّان‏.‏

فإذا تحقّقت هذه الشّروط لا يكون المبيع مجهولاً، لأنّ هذه طريق معرفته‏.‏

بيع ضربة الغائص

18 - اتّفق الفقهاء على فساد هذا البيع «لنهي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن ضربة الغائص»‏.‏ لأنّه بيع معدوم، ولجهالة ما يخرج، ومثله بيع ضربة القانص‏.‏

وقد سبق الكلام عليه في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع منهيّ عنه‏)‏‏.‏

بيع اللّبن في الضّرع

19 - لا يجوز بيع اللّبن في الضّرع قبل انفصاله عند جمهور الفقهاء لورود النّهي عنه، ولأنّه مجهول الصّفة والمقدار‏.‏ ومثله بيع السّمن في اللّبن، وبيع النّوى في التّمر‏.‏

وقد سبق الكلام عليه في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع منهيّ عنه‏)‏‏.‏

بيع السّمك في الماء

20 - لا يجوز عند جمهور الفقهاء بيع السّمك في الماء «لنهي النّبيّ صلى الله عليه وسلم عنه»، ولأنّه غير مملوك، ولا يقدر على تسليمه، ولأنّه مجهول فلا يصحّ بيعه‏.‏

وقد تقدّم الكلام عليه في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع منهيّ عنه‏)‏‏.‏

بيع المعدوم

21 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا يصحّ بيع المعدوم كبيع ما لم يخلق، وبيع المضامين، وبيع الملاقيح، وحبل الحبلة للنّصّ، ولأجل الجهالة‏.‏

وقد سبق الكلام عليه في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع منهيّ عنه‏)‏‏.‏

بيع الجزاف

22 - بيع الجزاف هو البيع بلا كيل ولا وزن ولا عدّ، وقد اتّفق الفقهاء على جوازه من حيث الجملة مع ما فيه من الجهالة لحاجة النّاس واضطرارهم إليه‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ بيع الجزاف‏)‏‏.‏

ج - الجهالة في الثّمن‏:‏

23 - إذا اختلفت أنواع الأثمان المتعامل بها في البلد وليس أحدها غالباً فلا يصحّ البيع حينئذ للجهالة المفضية إلى المنازعة‏.‏ وتفصيله في مصطلحي ‏(‏ثمن، بيع‏)‏‏.‏

الجهالة في السّلم

24 - الجهالة في السّلم إمّا أن تكون في رأس المال ‏"‏ الثّمن ‏"‏ وإمّا أن تكون في المسلم فيه، وإمّا أن تكون في الأجل، فأمّا الثّمن فيشترط فيه بيان جنسه، ونوعه، وصفته، وقدره‏.‏ وأمّا المسلم فيه فيشترط فيه أيضا أن يكون معلوم الجنس، والنّوع، والصّفة، والقدر، كيلاً أو وزناً أو عدّاً أو ذرعاً‏.‏

وعلّة اشتراط هذه الأمور إزالة الجهالة، لأنّ الجهالة في كلّ منها تفضي إلى المنازعة، ومن ثمّ تكون مفسدة للعقد‏.‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من أسلف فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم» وتفصيله في مصطلح ‏(‏ سلم ‏)‏‏.‏

الجهالة برأس مال المضاربة

25 - من شروط صحّة عقد المضاربة أن يكون رأس المال فيه معلوماً، ولا يجوز أن يكون مجهول القدر دفعا لجهالة الرّبح‏.‏ وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏مضاربة‏)‏‏.‏

الجهالة في الإجارة

26 - يشترط لصحّة الإجارة أن تكون المنفعة والأجرة معلومتين علماً ينفي الجهالة المفضية للنّزاع، وإلاّ فلا تنعقد الإجارة‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ إجارة‏)‏‏.‏

الجهالة في الأجل

27 - لا خلاف بين الفقهاء في صحّة التّأجيل في الأمور الّتي يقبلها التّأجيل بشرط أن يكون الأجل معلوما،لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ‏}‏‏.‏ أمّا إذا كان الأجل مجهولا فإنّه لا يصحّ، لأنّه يفضي إلى المنازعة‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏أجل 2 / 33، 37، ف /71 و /81‏)‏‏.‏

إبراء المجهول

28 - قرّر الفقهاء اشتراط العلم بالمبرّأ، ومن ثمّ فلا يصحّ الإبراء لمجهول‏.‏ وعلى هذا فلو أبرأ أحد مدينيه على التّردّد لم يصحّ - خلافاً لبعض الحنابلة - فيجب تعيين المبرّأ بما تزول به الجهالة عنه‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ إبراء‏:‏ ف /30‏)‏‏.‏

الصّلح عن المجهول

29 - ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه يصحّ الصّلح عن المجهول عيناً كان أو ديناً‏.‏

إلاّ أنّ الحنابلة قالوا‏:‏ يصحّ الصّلح عن المجهول إذا كان لا سبيل إلى معرفته، فأمّا ما يمكن معرفته فلا يصحّ الصّلح عليه مع الجهل‏.‏

قال الكاسانيّ‏:‏ وأمّا كون المصالح عنه معلوما فليس بشرط لجواز الصّلح حتّى أنّ من ادّعى على آخر حقّا في عين فأقرّ به المدّعى عليه أو أنكر فصالح على مال معلوم جاز، لأنّ الصّلح كما يصحّ بطريق المعاوضة يصحّ بطريق الإسقاط، ولا يمكن تصحيحه هنا بطريق المعاوضة لجهالة أحد البدلين فيصحّ بطريق الإسقاط فلا يؤدّي إلى المنازعة المانعة من التّسليم والتّسلّم والقبض، لأنّ السّاقط لا يحتمل ذلك، وأنّ الجهالة فيما لا يحتمل التّسلّم والقبض لا تمنع جواز الصّلح‏.‏

وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ الصّلح عن المجهول لا يصحّ، لأنّه كالجهالة في البيع، ومعلوم أنّ بيع المجهول لا يصحّ‏.‏ وتفصيله في مصطلحي‏:‏ ‏(‏صلح وإبراء‏)‏‏.‏

زوال الجهالة في مجلس العقد

30 - ذهب أكثر الحنفيّة إلى أنّ زوال الجهالة في مجلس العقد يصحّح العقد بعد انعقاده فاسدا إذا كان الفساد فيه ضعيفا‏.‏

قال الموصليّ‏:‏ وروى الكرخيّ عن أصحابنا‏:‏ أنّ سائر البياعات الفاسدة تنقلب جائزة بحذف المفسد‏.‏ أمّا إذا كان الفساد قويّاً بأن يكون في صلب العقد فلا ينقلب صحيحا باتّفاق الحنفيّة‏.‏ وينظر التّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع فاسد ف /37، ج 9 /113‏)‏‏.‏

وقال ابن رشد‏:‏ اتّفق الفقهاء على أنّه - أي‏:‏ البيع بشرط السّلف - من البيوع الفاسدة‏.‏ واختلفوا إذا ترك الشّرط قبل القبض، فمنعه أبو حنيفة والشّافعيّ وسائر الفقهاء، وأجازه مالك وأصحابه إلاّ محمّد بن عبد الحكم، وقد روي عن مالك مثل قول الجمهور‏.‏

وحجّة الجمهور أنّ النّهي يتضمّن فساد المنهيّ عنه مع أنّ الثّمن يكون في المبيع مجهولا، لاقتران السّلف به‏.‏

ثمّ قال‏:‏ ونكتة المسألة هل إذا لحق الفساد بالبيع من قبل الشّرط يرتفع الفساد إذا ارتفع الشّرط أم لا يرتفع، كما لا يرتفع الفساد اللّاحق للبيع الحلال من أجل اقتران المحرّم العين به‏؟‏ وهذا أيضا ينبني على أصل آخر‏:‏ هو هل هذا الفساد حكميّ أو معقول‏؟‏

فإن قلنا‏:‏ حكميّ لم يرتفع بارتفاع الشّرط، وإن قلنا‏:‏ معقول ارتفع بارتفاع الشّرط‏.‏ فمالك رآه معقولا، والجمهور رأوه غير معقول‏.‏

والفساد الّذي يوجد في بيوع الرّبا والغرر حكميّ، ولذلك ليس ينعقد عندهم أصلاً وإن ترك الرّبا بعد البيع أو ارتفع الغرر‏.‏

وقال النّوويّ‏:‏ إذا فسد العقد بشرط فاسد ثمّ حذف الشّرط لم ينقلب العقد صحيحاً، سواء أكان الحذف في المجلس أو بعده، وفي وجه‏:‏ ينقلب صحيحاً إن حذف في المجلس وهو شاذّ ضعيف‏.‏ وفي حاشية الجمل لو زادا أو نقصا في الثّمن أو المثمّن ولو في السّلم، أو أحدثا أجلا أو خيارا ابتداء أو زيادة، أو شرطاً فاسداً، أو صحيحاً في مدّة الخيار - أي خيار المجلس أو خيار الشّرط - التحق كلّ منها بالعقد - أي‏:‏ بالمقترن به - وكذا حطّ بعض ما ذكر، إذ مجلس العقد كنفس العقد، ولهذا صلح لتعيين رأس مال السّلم وعوض الصّرف‏.‏ وقيس بخيار المجلس خيار الشّرط بجامع عدم الاستقرار‏.‏

أمّا بعد اللّزوم - أي‏:‏ بعد انتهاء مدّة الخيار - فلا يلتحق بالعقد شيء من ذلك وإلاّ لوجبت الزّيادة بعده على الشّفيع كما تجب عليه قبله‏.‏

الصّلح على بدل القصاص

31 - يجوز الصّلح على بدل القصاص سواء أكان ذلك البدل معلوماً أم مجهولاً، بشرط أن تكون الجهالة غير فاحشة، وإلاّ فإن كانت فاحشة كما إذا صالح على ثوب أو دار أو دابّة غير معيّنة، فسدت التّسمية في الصّلح، ووجبت الدّية لأنّها متفاوتة والجهالة فيها فاحشة‏.‏ وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلح، وقتل عمد‏)‏‏.‏

جهالة المكفول له

32 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة - في الأصحّ - والقاضي من الحنابلة إلى وجوب معرفة الكفيل المكفول له ‏"‏ وهو الدّائن ‏"‏ لأنّه إذا كان مجهولاً لا يحصل ما شرعت له الكفالة وهو التّوثّق، وكذلك لتفاوت النّاس في استيفاء الدّين تشديداً وتسهيلاً‏.‏

وذهب الحنابلة والشّافعيّة - في مقابل الأصحّ - إلى جواز الكفالة مع جهالة المكفول له لحديث جابر رضي الله عنه قال‏:‏ «مات رجل فغسّلناه وكفّنّاه وحنّطناه ووضعناه لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل، ثمّ آذنّا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالصّلاة عليه، فجاء معنا خطى ثمّ قال‏:‏ لعلّ على صاحبكم ديناً قالوا‏:‏ نعم ديناران، فتخلّف، فقال له رجل منّا يقال له أبو قتادة‏:‏ يا رسول اللّه هما عليّ فجعل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ هما عليك وفي مالك والميّت منهما بريء‏؟‏ فقال‏:‏ نعم، فصلّى عليه، فجعل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا لقي أبا قتادة يقول‏:‏ ما صنعت الدّيناران حتّى كان آخر ذلك قال‏:‏ قد قضيتهما يا رسول اللّه، قال‏:‏ الآن حين بردت عليه جلده»‏.‏

ضمان الحقّ المجهول

33 - ذهب الجمهور - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة - إلى صحّة ضمان الحقّ المجهول كقوله‏:‏ ما أعطيته فهو عليّ‏.‏ وهذا مجهول‏.‏

وقال الثّوريّ واللّيث وابن أبي ليلى والشّافعيّ وابن المنذر‏:‏ لا يصحّ‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏ضمان، كفالة‏)‏‏.‏

جهالة الرّهن والمرهون به

34 - يشترط في الرّهن أن يكون معلوما، ويشترط لصحّة الرّهن أيضاً أن يكون الدّين معلوماً للعاقدين فلو جهلاه أو جهله أحدهما لم يصحّ الرّهن، كما في الضّمان صرّح بذلك الشّافعيّة، ولم نجد عند غيرهم تعرّضاً لذلك‏.‏ وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏رهن‏)‏‏.‏

الجهالة في الوكالة

35 - يشترط في الوكالة العلم بالموكّل به علما تنتفي معه الجهالة، ولهذا تصحّ الوكالة الخاصّة على تفصيل يذكر في مصطلح‏:‏ ‏(‏وكالة‏)‏‏.‏

أمّا الوكالة العامّة فقد اختلف الفقهاء فيها بين مجيز ومانع، فمن منع نظر إلى كثرة الغرر والجهالة في الموكّل به‏.‏ وتفصيل الخلاف في ذلك يذكره الفقهاء في باب ‏(‏وكالة‏)‏‏.‏

الجهل في الجعالة

36 - الجعالة جائزة عند جمهور الفقهاء مع ما فيها من جهالة العمل للحاجة إليها، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ‏}‏‏.‏ هذا إذا كان الجعل معلوماً‏.‏ أمّا إذا كان الجعل مجهولا فإنّ الجعالة لا تصحّ، على خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏جعالة‏)‏‏.‏

الجهالة في الشّركة

37 - اختلف الفقهاء في جواز شركة الأبدان، وشركة الوجوه، وشركة المفاوضة، من حيث الجواز وعدمه، ومن منعها نظر إلى الجهالة في كلّ منها‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏شركة‏)‏‏.‏

الجهالة في الهبة

38 - تصحّ هبة المعلوم والمجهول‏.‏

على خلاف وتفصيل يذكره الفقهاء في مصطلح‏:‏ ‏(‏هبة‏)‏‏.‏

الجهالة في الوصيّة

39 - تصحّ الوصيّة بالمعلوم والمجهول‏.‏

على تفصيل يذكره الفقهاء في مصطلح‏:‏ ‏(‏وصيّة‏)‏‏.‏

الجهالة في الوقف

40 - يصحّ وقف المعلوم والمجهول‏.‏ على تفصيل يذكره الفقهاء في مصطلح‏:‏ ‏(‏وقف‏)‏‏.‏

الجهالة في الإقرار

41 - يشترط في المقرّ أن يكون معلوماً‏.‏

وأجمع الفقهاء على أنّ الجهالة بالمقرّ له لا يصحّ معها الإقرار، لأنّ المجهول لا يصلح مستحقّاً‏.‏ وأمّا المقرّ به فإنّ الجهالة به لا تمنع صحّة الإقرار بغير خلاف بين الفقهاء، ويجبر المقرّ على البيان، لأنّه هو المجمل‏.‏

وللتّفصيل انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏إقرار، ف /12 / 27 / 35‏)‏‏.‏

الجهالة في النّسب

42 - من شروط صحّة الإقرار بالنّسب على المقرّ نفسه أن يكون المقرّ به مجهول النّسب‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ إقرار ف / 63‏)‏‏.‏

الجهالة في المهر

43 - يشترط في المهر أن يكون معلوما ولا تصحّ تسمية مهر مجهول، فإن غفل وجب مهر المثل‏.‏ وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏نكاح ومهر‏)‏‏.‏

الجهالة في الخلع

44 - يصحّ الخلع بعوض مجهول عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة، كالخلع على ما بيدها من دراهم أو متاع، فإن لم يكن شيء، فله ثلاثة دراهم أو ما يسمّى متاعاً‏.‏

و يصح الخلع أيضاً بشيء معدوم كالخلع على ما حملت غنمها‏.‏

ويرى الشّافعيّة عدم صحّة الخلع على بدل مجهول‏.‏

جهالة المقذوف

45 - يشترط لإقامة حدّ القذف على القاذف العلم بالمقذوف، فإذا لم يعلم فلا حدّ على القاذف‏.‏ على تفصيل يذكر في‏:‏ ‏(‏حدّ، قذف‏)‏‏.‏

جهالة وليّ القتيل

46 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ جهالة وليّ القتيل لا تمنع من القصاص‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّها تمنع منه، لأنّ وجوب القصاص وجوب للاستيفاء، والاستيفاء من المجهول متعذّر، فتعذّر الإيجاب له‏.‏ وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏قصاص‏)‏‏.‏

جهالة المدّعى به

47 - من شروط صحّة إقامة الدّعوى العلم بالمدّعي لتعذّر الشّهادة والقضاء بالمجهول، والعلم بالمدّعي إنّما يحصل بأحد أمرين، إمّا الإشارة، وإمّا التّسمية‏.‏

على تفصيل يذكر في مصطلح‏:‏ ‏(‏دعوى‏)‏‏.‏

جهالة المشهود به

48 - يشترط العلم بما يشهد به لتصحّ الشّهادة، وإلاّ فإنّ جهالته تمنع صحّة الشّهادة والقضاء‏.‏ على تفصيل يذكره الفقهاء في مصطلح‏:‏ ‏(‏شهادة‏)‏‏.‏

جهر

التّعريف

1 - الجهر لغة‏:‏ إعلان الشّيء وعلوّه‏.‏ ويقال جهرت بالكلام أعلنت به، ورجل جهير الصّوت، أي عاليه‏.‏ قال أبو هلال العسكريّ‏:‏ وأصله رفع الصّوت، يقال جهر بالقراءة إذا رفع صوته بها‏.‏ وفي القرآن ‏{‏وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا‏}‏ أي بقراءتك في صلاتك‏.‏ ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ الأوّل وهو الإعلان‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

2 - منها‏:‏ الإسرار، والمخافتة، والكتمان، وقد تقدّم الكلام فيها تحت عنوان ‏(‏إسرار‏)‏‏.‏ ومنها الإظهار، والإفشاء، والإعلان، وتقدّم الكلام فيها تحت عنوان ‏(‏إظهار‏)‏‏.‏

حدّ الجهر والإسرار

3 - اختلف الفقهاء في تقدير الحدّ الأعلى والأدنى لكلّ من الجهر والإسرار‏.‏

فقال ابن عابدين‏:‏ أدنى المخافتة إسماع نفسه أو من بقربه من رجل أو رجلين مثلاً، وأعلاها مجرّد تصحيح الحروف‏.‏

وأدنى الجهر إسماع غيره ممّن ليس بقربه كأهل الصّفّ الأوّل، وأعلاه لا حدّ له‏.‏

وعند المالكيّة‏:‏ أعلى السّرّ حركة اللّسان فقط، وأدناه سماع نفسه‏.‏

وأمّا الجهر فأقلّه أن يسمع نفسه ومن يليه، وأعلاه لا حدّ له‏.‏

وبهذا قال الكرخيّ وأبو بكر البلخيّ من الحنفيّة‏.‏ وجهر المرأة إسماعها نفسها فقط‏.‏

وعند الشّافعيّة‏:‏ السّرّ إسماع نفسه حيث لا مانع، والجهر أن يسمع من يليه‏.‏

وعند الحنابلة‏:‏ أدنى الجهر أن يسمع نفسه، وأدنى الجهر للإمام سماع غيره ولو واحداً ممّن وراءه‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالجهر

أ - الجهر بأقوال الصّلاة‏:‏

4 - الجهر بالتّكبير‏:‏ ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب الإسرار بالتّكبيرات في حقّ المأموم والمنفرد‏.‏ ومحلّ الإسرار في حقّ المأموم إن لم يكن مبلّغاً وإلاّ جهر بقدر الحاجة‏.‏ وقال المالكيّة‏:‏ يندب الجهر بتكبيرة الإحرام لكلّ مصلّ‏.‏

أمّا غيرها من التّكبير فالأفضل فيه الإسرار في حقّ غير الإمام‏.‏

أمّا الإمام فيسنّ جهره بالتّكبير اتّفاقاً ليتمكّن المأموم من متابعته فيه لقوله صلى الله عليه وسلم «فإذا كبّر فكبّروا»‏.‏

الجهر بالتّعوّذ

5 - ذهب الحنفيّة والحنابلة والشّافعيّة على الأظهر إلى سنّيّة الإسرار بالتّعوّذ في الصّلاة ولو كانت جهريّة‏.‏ لأنّ الجهر به لم ينقل عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

وعن عليّ وابن مسعود رضي الله عنهما أنّهما قالا‏:‏ أربع يخفيهنّ الإمام وذكر منها التّعوّذ، ولأنّ الأصل في الأذكار هو الإخفاء لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً‏}‏ فلا يترك إلاّ لضرورة‏.‏

ويرى الشّافعيّة - على القول الثّاني مقابل الأظهر - استحباب الجهر بالتّعوّذ في الصّلاة، وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه كان يجهر به‏.‏

وقال ابن أبي ليلى - وهو القول الثّالث للشّافعيّة - الجهر والإسرار سواء ولا ترجيح وهما حسنان‏.‏ ويكره التّعوّذ عند المالكيّة قبل الفاتحة والسّورة بفرض أصليّ أسرّ به أو جهر، وجاز بنفل‏.‏ واختار موفّق الدّين ابن قدامة الجهر بالتّعوّذ في الجنازة‏.‏

قال في الفروع‏:‏ إنّه المنصوص عن أحمد تعليما للسّنّة‏.‏

وللتّفصيل في صفة التّعوّذ ومحلّه وسائر الأحكام المتعلّقة به ‏(‏ر‏:‏ استعاذة‏)‏‏.‏

الجهر بالبسملة

6 - ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه تسنّ قراءة البسملة سرّاً في الصّلاة السّرّيّة والجهريّة‏.‏ قال التّرمذيّ‏:‏ وعليه العمل عند أكثر أهل العلم من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التّابعين، ومنهم أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ‏.‏ وهذا ما حكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وعمّار بن ياسر وابن الزّبير، والحكم، وحمّاد، والأوزاعيّ، والثّوريّ، وابن المبارك‏.‏ وروي عن أنس رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ «صلّيت مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم»‏.‏

وقال أبو هريرة «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يجهر بها»‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ السّنّة الجهر بالتّسمية في الصّلاة الجهريّة في الفاتحة وفي السّورة بعدها‏.‏ فقد روى ابن عبّاس رضي الله عنهما «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم جهر ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم»، ولأنّها تقرأ على أنّها آية من القرآن بدليل أنّها تقرأ بعد التّعوّذ فكان سنّتها الجهر كسائر الفاتحة‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ الجهر بالتّسمية قول أكثر العلماء من الصّحابة والتّابعين ومن بعدهم من الفقهاء والقرّاء، ثمّ ذكر الصّحابة الّذين قالوا به منهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعمّار بن ياسر، وأبيّ بن كعب، وابن عمر، وابن عبّاس‏.‏

وحكى القاضي أبو الطّيّب وغيره عن ابن أبي ليلى والحكم أنّ الجهر والإسرار سواء‏.‏

ويرى المالكيّة على المشهور كراهة استفتاح القراءة في الصّلاة ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم مطلقاً في أمّ القرآن وفي السّورة الّتي بعدها سرّاً وجهراً‏.‏

قال القرافيّ من المالكيّة‏:‏ الورع البسملة أوّل الفاتحة خروجا من الخلاف إلاّ أنّه يأتي بها سرّاً ويكره الجهر بها‏.‏ ولتفصيل ذلك ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏ر‏:‏ بسملة‏)‏‏.‏

الجهر بالقراءة

أ - جهر الإمام‏:‏

7 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يسنّ للإمام أن يجهر بالقراءة في الصّلاة الجهريّة كالصّبح، والجمعة، والأوليين من المغرب والعشاء‏.‏

ويرى الحنفيّة أنّه يجب على الإمام مراعاة الجهر فيما يجهر به - وهو الفجر، والمغرب والعشاء في الأوليين، وكذا كلّ صلاة من شرطها الجماعة، كالجمعة، والعيدين، والتّرويحات - ويجب عليه المخافتة فيما يخافت به، لأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم واظب على الجهر فيما يجهر به والمخافتة فيما يخافت به»‏.‏

وذلك دليل الوجوب، وعلى هذا عمل الأمّة‏.‏

ب - جهر المأموم‏:‏

8 - ذهب القائلون بقراءة المأموم وراء الإمام إلى سنّيّة الإسرار، ويكره له الجهر سواء أسمع قراءة الإمام أم لا‏.‏ ودليل كراهة الجهر حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما

«أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صلّى الظّهر، فجعل رجل يقرأ خلفه بـ ‏{‏سَبِّح اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى‏}‏ فلمّا انصرف قال‏:‏ أيّكم قرأ أو أيّكم القارئ‏؟‏ فقال رجل‏:‏ أنا، فقال‏:‏ قد ظننت أنّ بعضكم خالجنيها» ومعنى خالجنيها جادلنيها ونازعنيها‏.‏

ج - جهر المنفرد‏:‏

9 - يسنّ للمنفرد الجهر في الصّبح، والأوليين من المغرب والعشاء عند المالكيّة والشّافعيّة، وهو رواية عن أحمد‏.‏

ويرى الحنفيّة والحنابلة على المذهب أنّ المنفرد يخيّر فيما يجهر به إن شاء جهر وإن شاء خافت‏.‏ وذكر الكرخيّ من الحنفيّة إن شاء جهر بقدر ما يسمع أذنيه ولا يزيد على ذلك‏.‏ وذكر في عامّة الرّوايات مفسّرا أنّه بين خيارات ثلاثة‏:‏ إن شاء جهر وأسمع غيره، وإن شاء جهر وأسمع نفسه، وإن شاء أسرّ القراءة‏.‏

قال الزّيلعيّ‏:‏ ولكن لا يبالغ في الجهر مثل الإمام لأنّه لا يسمع غيره‏.‏

ونقل الأثرم وغيره أنّ ترك الجهر للمنفرد أفضل‏.‏

الجهر بالتّأمين

10 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الصّلاة إن كانت سرّيّة فالإسرار بالتّأمين سنّة في حقّ الإمام والمأموم والمنفرد‏.‏

وأمّا إن كانت جهريّة فقد اختلفوا في الجهر والإسرار بالتّأمين حسب الاتّجاهات التّالية‏:‏ ذهب الحنفيّة وابن حبيب من المالكيّة والطّبريّ إلى أنّه يسنّ الإسرار بالتّأمين للمنفرد والإمام والمأموم جميعاً‏.‏ فقد روى أحمد وأبو داود والدارقطني من حديث وائل «أنّه عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ آمين وخفض بها صوته»‏.‏ وقال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه‏:‏ يخفي الإمام أربعاً‏:‏ التّعوّذ، والبسملة، وآمين، وربّنا لك الحمد‏.‏ ويروى مثل قوله عن جماعة من الصّحابة بعضهم يقول‏:‏ أربع يخفيهنّ الإمام، وبعضهم يقول خمسة، وبعضهم يقول ثلاثة، وكلّهم يعدّ التّأمين منها‏.‏ ولأنّه دعاء فيكون مبناه على الإخفاء، ولأنّه لو جهر بها عقيب الجهر بالقرآن لأوهم أنّها من القرآن فيمنع منه دفعا للإيهام‏.‏

وبمثل ما ذهب إليه هذا الفريق يقول المالكيّة في حقّ المنفرد والمأموم‏.‏ أمّا الإمام فلا يؤمّن أصلاً على المشهور من المذهب عندهم‏.‏

ويرى الحنابلة سنّيّة الجهر بالتّأمين في حقّ الإمام والمأموم والمنفرد جميعاً فيما يجهر فيه بالقراءة‏.‏

وبهذا قال الشّافعيّة اتّفاقا في حقّ الإمام والمنفرد‏.‏ أمّا المأموم فالمذهب عندهم أنّه يجهر‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏آمين‏)‏‏.‏

الجهر بالتّسميع

11 - اتّفق الفقهاء على أنّه يسنّ جهر الإمام بالتّسميع ‏"‏ سمع اللّه لمن حمده ‏"‏ ليسمع المأمومون ويعلموا انتقاله كما يجهر بالتّكبير‏.‏

أمّا المؤتمّ والمنفرد فيسمع نفسه‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏صلاة‏)‏‏.‏

الجهر بالتّشهّد

12 - أجمع العلماء على الإسرار بالتّشهّد وكراهة الجهر به، واحتجّوا بحديث عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ «من سنّة الصّلاة أن يخفي التّشهّد»‏.‏ قال النّوويّ‏:‏ إذا قال الصّحابيّ‏:‏ من السّنّة كذا كان بمعنى قوله قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏

هذا هو المذهب الصّحيح المختار الّذي عليه جمهور العلماء من الفقهاء والمحدّثين وأصحاب الأصول المتكلّمين‏.‏ وللتّفصيل انظر مصطلح ‏(‏تشهّد، ف /7 ج /12 ص /38‏)‏‏.‏

الجهر بالقنوت

13 - اختلف الفقهاء في صفة دعاء القنوت من الجهر والمخافتة‏.‏

فذهب المالكيّة - وهو المختار عند الحنفيّة - إلى استحباب الإخفاء في دعاء القنوت في حقّ الإمام والمأموم والمنفرد جميعاً، لأنّه دعاء، والمسنون في الدّعاء الإخفاء، قال اللّه تعالى‏{‏ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً‏}‏ وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏«خير الذّكر الخفيّ»‏.‏ وذكر القاضي في شرحه مختصر الطّحاويّ‏:‏ أنّه إن كان منفردا فهو بالخيار إن شاء جهر وأسمع غيره، وإن شاء جهر وأسمع نفسه، وإن شاء أسرّ كما في القراءة، وإن كان إماما يجهر بالقنوت لكن دون الجهر بالقراءة في الصّلاة والقوم يتابعونه هكذا إلى قوله ‏(‏إنّ عذابك بالكفّار ملحق‏)‏ وإذا دعا الإمام بعد ذلك قال أبو يوسف‏:‏ يتابعونه ويقرءون‏.‏

وفي قول محمّد لا يقرءون ولكن يؤمِّنون‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ إن شاء القوم سكتوا‏.‏

ويرى الشّافعيّة أنّ الإمام يجهر بالقنوت‏.‏ وقال الماورديّ‏:‏ وليكن جهره به دون الجهر بالقراءة، فإن أسرّ الإمام بالدّعاء حصّل سنّة القنوت وفاته سنّة الجهر‏.‏ أمّا المنفرد فيسرّ به، وأمّا المأموم فيؤمّن خلف الإمام جهرا للدّعاء، ويقول الثّناء سرّا أو يستمع لإمامه‏.‏ ويوافق الحنابلة الشّافعيّة في استحباب جهر الإمام بالقنوت، وتأمين المأموم للدّعاء‏.‏

أمّا المنفرد فيجهر بالقنوت كالإمام على الصّحيح من المذهب عند الحنابلة‏.‏

قال ابن قيّم الجوزيّة، والإنصاف الّذي يرتضيه العالم المنصف أنّه صلى الله عليه وسلم جهر وأسرّ وقنت وترك، وكان إسراره أكثر من جهره، وتركه القنوت أكثر من فعله‏.‏ وللتّفصيل في صفة القنوت ومحلّ أدائه ومقداره ودعائه ‏(‏ر‏:‏ قنوت، وتر‏)‏‏.‏

الجهر بالتّسليم للخروج من الصّلاة

14 - لا خلاف بين الفقهاء في سنّيّة الجهر بالتّسليمة الأولى في حقّ الإمام، واختلفوا فيما سوى ذلك‏.‏ فيرى الحنابلة - وهو ما يؤخذ من عبارات فقهاء الحنفيّة والشّافعيّة - أنّه يسنّ جهر الإمام بالتّسليمتين‏.‏ فقد عدّ أبو السّعود جهر الإمام بالسّلام مطلقاً من سنن الصّلاة‏.‏ وقال الشّربينيّ الخطيب‏:‏ يسنّ للمأموم كما في التّحقيق أن لا يسلّم إلاّ بعد فراغ الإمام من تسليمتيه‏.‏

وصرّح البجيرميّ بكراهة مقارنة المأموم مع الإمام في السّلام‏.‏

فيسنّ جهر الإمام بالسّلام ليسمع المأمومين فيعلموا فراغه من تسليمتيه ويتابعوه‏.‏

والسّنّة في السّلام أن يكون جهر الإمام بالتّسليمة الثّانية أخفض من الأولى وقد روي عن أحمد أنّه يجهر بالتّسليمة الأولى وتكون الثّانية أخفى من الأولى‏.‏ لأنّ الجهر في غير القراءة إنّما شرع للإعلام بالانتقال من ركن إلى ركن وقد حصل العلم بالجهر بالتّسليمة الأولى فلا يشرع الجهر بغيرها‏.‏ وكان ابن حامد يخفي الأولى ويجهر بالثّانية لئلاّ يسبقه المأمومون بالسّلام‏.‏ وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ تسليم وصلاة، وأبواب صفة الصّلاة من كتب الفقه‏)‏‏.‏

الجهر بالتّبليغ

15 - يسنّ للإمام الجهر بتكبيرات الصّلاة كلّها وبقوله‏:‏ ‏"‏ سمع اللّه لمن حمده ‏"‏ حتّى بزوائد العيدين ليعلم المأمومون انتقالاته من ركن إلى ركن ويتابعوه في تكبيرات العيدين، فإن كان الإمام ضعيف الصّوت لمرض أو غيره فلم يصل جهره إلى جميع المقتدين فيجهر المؤذّن أو غيره‏.‏ من المأمومين جهراً يسمع النّاس، فقد أخرج مسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال‏:‏ «اشتكى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فصلّينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر رضي الله عنه يسمع النّاس تكبيره»، وفي رواية لمسلم أيضاً «صلّى بنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه خلفه فإذا كبّر كبّر أبو بكر ليسمعنا»‏.‏

وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ تبليغ‏)‏‏.‏

الجهر في الصّلاة المقضيّة

16 - يرى المالكيّة والشّافعيّة في قول إيقاع المقضيّة على حسب ما كانت الصّلاة وقت أدائها من جهر وإسرار، فالاعتبار عندهم بوقت الفائتة‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ من فاتته العشاء فصلّاها بعد طلوع الشّمس إن أمّ فيها جهر كما فعل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حين قضى الفجر غداة ليلة التّعريس بجماعة‏.‏

وإن أمّ ليلاً في صلاة النّهار يخافت ولا يجهر فإن جهر ساهيا كان عليه سجود السّهو‏.‏ والمنفرد إذا قضى الصّلوات الّتي يجهر بها فهو مخيّر بين الجهر والإسرار، ويرى بعض علماء الحنفيّة أنّ الجهر أفضل من الإسرار‏.‏

وذهب الشّافعيّة على الأصحّ إلى أنّ الاعتبار بوقت القضاء‏.‏

فالمقضيّة يجهر فيها من مغيب الشّمس إلى طلوعها، ويسرّ من طلوعها إلى غروبها‏.‏ ويرى الحنابلة أنّ المصلّي يسرّ في قضاء صلاة جهريّة إذا قضاها في نهار - ولو جماعة - اعتبارا بزمن القضاء، كصلاة سرّ قضاها ولو ليلاً اعتباراً بالمقضيّة‏.‏

ويجهر بالقراءة في صلاة جهريّة قضاها ليلاً في جماعة اعتباراً بزمن القضاء وشبّهها بالأداء لكونها في جماعة، فإن قضاها منفرداً أسرّها لفوات شبهها بالأداء‏.‏

الجهر في موضع الإسرار والعكس

17 - يرى جمهور الفقهاء أنّ الجهر فيما يجهر به والإخفات فيما يخافت فيه سنّة من سنن الصّلاة‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّه يجب الجهر فيما يجهر به والمخافتة فيما يخافت فيه‏.‏

ثمّ اختلفوا فيما يوجبه الجهر في موضع الإسرار أو العكس‏:‏

فذهب الشّافعيّة والأوزاعيّ إلى أنّ من جهر في موضع الإسرار أو أسرّ في موضع الجهر لم تبطل صلاته ولا سجود سهو عليه، ولكنّه ارتكب مكروها‏.‏

وبهذا يقول الحنابلة إن ترك الجهر والإخفات في موضعهما عمداً‏.‏

وإن ترك سهواً ففي مشروعيّة السّجود من أجله روايتان عن أحمد‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يشرع كما هو مذهب الشّافعيّ والأوزاعيّ‏.‏ والثّانية‏:‏ يشرع‏.‏

ويرى الحنفيّة أنّه لو جهر الإمام فيما يخافت فيه أو خافت فيما يجهر به تلزمه سجدة السّهو، لأنّ الجهر في موضعه والمخافتة في موضعها من الواجبات، لمواظبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم عليهما، فبتركهما يلزم سجود السّهو‏.‏

هذا في حقّ الإمام، أمّا المنفرد فلا سهو عليه،لأنّ الجهر والمخافتة من خصائص الجماعة‏.‏ وعدّ المالكيّة الجهر فيما يجهر فيه والسّرّ فيما يسرّ فيه من السّنن المؤكّدة الّتي تنجبر بالسّجود‏.‏ وقالوا‏:‏ لا سجود في يسير جهر في سرّيّة بأن أسمع نفسه ومن يليه فقط، أو يسير سرّ في جهريّة، ولا في إعلان أو إسرار في مثل آية في محلّ سرّ أو جهر‏.‏

وعبّر الدّردير عن حاصل المذهب المالكيّ في المسألة بقوله‏:‏ إنّ من ترك الجهر فيما يجهر فيه وأتى بدله بالسّرّ فقد حصل منه نقص، لكن لا سجود عليه إلاّ إذا اقتصر على حركة اللّسان‏.‏ وإنّ من ترك السّرّ فيما يسرّ فيه وأتى بدله بالجهر فقد حصل منه زيادة، لكن لا سجود عليه بعد السّلام، إلاّ إذا رفع صوته فوق سماع نفسه ومن يلاصقه، بأن كان يسمعه من بعد عنه بنحو صفّ فأكثر‏.‏

الجهر في النّوافل

18 - لا خلاف بين الفقهاء في سنّيّة الإسرار في نوافل النّهار المطلقة‏.‏

أمّا نوافل اللّيل فيرى المالكيّة وصاحب التّتمّة من الشّافعيّة سنّيّة الجهر فيها‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ المنفرد يخيّر بين الجهر والإخفاء، لأنّ النّوافل تبع للفرائض لكونها مكمّلات لها فيخيّر فيها المنفرد كما يخيّر في الفرائض‏.‏ وإن كان إماماً جهر لما ذكر من أنّها اتّباع الفرائض، ولهذا يخفي في نوافل النّهار ولو كان إماماً‏.‏

ويقول الحنابلة‏:‏ إنّ المتنفّل ليلا يراعي المصلحة، فإن كان بحضرته أو قريباً منه من يتأذّى بجهره أسرّ، وإن كان من ينتفع بجهره جهر‏.‏

وقال صاحب التّهذيب من الشّافعيّة‏:‏ يتوسّط ‏(‏المتنفّل ليلاً‏)‏ بين الجهر والإسرار‏.‏

هذا إن لم يشوّش على نائم أو مصلّ أو نحوه وإلاّ فالسّنّة الإسرار‏.‏

قال المحبّ بن نصر اللّه الكتّانيّ‏:‏ والأظهر أنّ النّهار هنا من طلوع الشّمس لا من طلوع الفجر، واللّيل من غروب الشّمس إلى طلوعها‏.‏

وأمّا أحكام الجهر بالقراءة في النّوافل غير المطلقة، كصلاة العيدين، والكسوف، والاستسقاء، والتّراويح، والوتر، فتنظر في مصطلحاتها وفي أبوابها من كتب الفقه‏.‏

إسرار المرأة وجهرها في الصّلاة

19 - ذهب أكثر الشّافعيّة والحنابلة في قول إلى أنّ المرأة إن كانت خالية أو بحضرة نساء أو رجال محارم جهرت بالقراءة، وإن صلّت بحضرة أجنبيّ أسرّت‏.‏

ويرى المالكيّة كراهة الجهر بالقراءة للمرأة في الصّلاة‏.‏ وصرّحوا بأنّه يجب عليها إن كانت بحضرة أجانب يخشون من علوّ صوتها الفتنة إسماعها نفسها فقط‏.‏ ويؤخذ من عبارات فقهاء الحنفيّة - وهو وجه عند الشّافعيّة وقول آخر عند الحنابلة - أنّ المرأة تسرّ مطلقاً‏.‏ قال ابن الهمام‏:‏ لو قيل إذا جهرت بالقراءة في الصّلاة فسدت كان متّجها‏.‏

وهذا هو أحد الوجهين عند الشّافعيّة‏.‏

وقال النّوويّ‏:‏ حيث قلنا‏:‏ تسرّ فجهرت لا تبطل صلاتها على الصّحيح‏.‏

قال المرداويّ‏:‏ يحتمل أن يكون الخلاف هنا مبنيّا على الخلاف في كون صوتها عورة أم لا‏.‏ وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ عورة، قراءة، صلاة‏)‏‏.‏

ب - الجهر خارج الصّلاة‏:‏

الجهر بالنّيّة

20 - يرى جمهور الفقهاء، أنّه لو نوى بقلبه ولم يتكلّم بنيّة فإنّه يجوز‏.‏

وذهب الشّافعيّة في وجه شاذّ إلى أنّه يشترط نطق اللّسان‏.‏ وقال النّوويّ‏:‏ وهو غلط‏.‏

ثمّ اختلف الجمهور في المفاضلة بين النّطق بالنّيّة وتركه‏.‏

فذهب أكثرهم إلى أولويّة النّطق بالنّيّة ما لم يجهر بها، لأنّه أتى بالنّيّة في محلّها وهو القلب ونطق بها اللّسان‏.‏ وذلك زيادة كمال‏.‏

وقال بعضهم إنّ النّطق باللّسان مكروه ولو سرّاً ويحتمل ذلك وجهين‏:‏ أحدهما أنّه قد يكون صاحب هذا القول يرى أنّ النّطق بها بدعة إذ لم يأت في كتاب ولا سنّة‏.‏

ويحتمل أن يكون ذلك لما يخشى أنّه إذا نطق بها بلسانه قد يسهو عنها بقلبه وإذا كان ذلك كذلك فتبطل صلاته لأنّه أتى بالنّيه في غير محلّها‏.‏

قال ابن قيّم الجوزيّة‏:‏ «كان صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصّلاة قال‏:‏ اللّه أكبر، ولم يقل شيئاً قبلها، ولا تلفّظ بالنّيّة ألبتّة ولا قال‏:‏ أصلّي للّه صلاة كذا مستقبل القبلة أربع ركعات إماماً أو مأموماً ولا قال‏:‏ أداء، ولا قضاء، ولا فرض الوقت»‏.‏

ونقل الشّيخ تقيّ الدّين ابن تيميّة اتّفاق الأئمّة على عدم مشروعيّة الجهر بالنّيّة وتكريرها وقال‏:‏ الجاهر بها مستحقّ للتّعزير بعد تعريفه لا سيّما إذا أذى به أو كرّره‏.‏

وللتّفصيل‏:‏ ‏(‏ر‏:‏ نيّة‏)‏‏.‏

الجهر بالتّعوّذ عند قراءة القرآن خارج الصّلاة

21 - يستحبّ التّعوّذ للقارئ خارج الصّلاة بالإجماع‏.‏ أمّا حكم الجهر بالتّعوّذ أو الإسرار به عند قراءة القرآن ففيه خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏استعاذة، ف 8 / ج 4 / ص 7 - 8، وتلاوة، ف /6 ج /13 ص /252 - 253‏)‏‏.‏

الجهر بالبسملة عند قراءة القرآن

22 - تستحبّ قراءة البسملة في أوّل كلّ سورة سوى براءة فإنّ أكثر العلماء قالوا‏:‏ إنّها آية حيث تكتب في المصحف وقد كتبت في أوائل السّور سوى براءة، فإذا قرأها كان متيقّنا قراءة الختمة أو السّورة، فإذا أخلّ بالبسملة كان تاركا لبعض القرآن عند الأكثرين‏.‏

قال ابن مفلح‏:‏ فإن قرأها في غير صلاة فإن شاء جهر بالبسملة وإن شاء لم يجهر نصّ عليه أحمد في رواية أبي داود ومهنّا‏.‏ تفصيل ذلك ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏بسملة‏)‏‏.‏

الجهر بالتّسمية على الطّعام

23 - أجمع العلماء على استحباب التّسمية على الطّعام في أوّله‏.‏

وقالوا‏:‏ يستحبّ أن يجهر بالتّسمية ليكون فيه تنبيه لغيره على التّسمية وليقتدى به في ذلك‏.‏ وللتّفصيل‏:‏ ‏(‏ر‏:‏ أكل، وبسملة‏)‏‏.‏

الجهر بقراءة القرآن خارج الصّلاة

24 - جاءت آثار بفضيلة الجهر ورفع الصّوت بالقرآن، وآثار بفضيلة الإسرار وخفض الصّوت‏.‏ فمن الأوّل حديث‏:‏ «ما أذن اللّه لشيء ما أذن لنبيّ حسن الصّوت يتغنّى بالقرآن يجهر به»‏.‏ ومن الثّاني حديث‏:‏ «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصّدقة، والمسرّ بالقرآن كالمسرّ بالصّدقة»‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ والجمع بينهما أنّ الإخفاء أفضل حيث خاف الرّياء أو تأذّى مصلّون أو نيام بجهره، والجهر أفضل في غير ذلك، لأنّ العمل فيه أكبر ولأنّه يتعدّى نفعه إلى غيره، ولأنّه يوقظ قلب القارئ، ويجمع همّه إلى الفكر ويصرف سمعه إليه، ويطرد النّوم ويزيد النّشاط‏.‏ ويدلّ لهذا الجمع ما ورد عن أبي سعيد أنّه قال‏:‏ «اعتكف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف السّتر وقال‏:‏ ألا إنّ كلّكم مناج لربّه، فلا يؤذينّ بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعضكم في القراءة»‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ يستحبّ الجهر ببعض القراءة والإسرار ببعضها، لأنّ المسرّ قد يملّ فيأنس بالجهر، والجاهر قد يكلّ فيستريح بالإسرار، إلاّ أنّ من قرأ باللّيل جهر بالأكثر، وإن قرأ بالنّهار أسرّ بالأكثر، إلاّ أن يكون بالنّهار في موضع لا لغو فيه ولا صخب ولم يكن في صلاة فيرفع صوته بالقرآن‏.‏

هذا وصرّح العلماء أنّ من جملة الآداب ألاّ يجهر بين مصلّين أو نيام أو تالين جهرا، وبحضرة من يطالع أو يدرس أو يصنّف‏.‏

وفي الفتح عن الخلاصة‏:‏ رجل يكتب الفقه وبجنبه رجل يقرأ القرآن فلا يمكنه استماع القرآن فالإثم على القارئ‏.‏ وعلى هذا لو قرأ على السّطح والنّاس نيام يأثم، لأنّه يكون سببا لإعراضهم عن استماعه، أو لأنّه يؤذيهم بإيقاظهم‏.‏

الجهر بالأذان والإقامة

25 - من السّنّة أن يجهر بالأذان فيرفع به صوته، لأنّ المقصود وهو الإعلام يحصل به، ولهذا كان الأفضل أن يؤذّن في موضع يكون أسمع للجيران كالمئذنة ونحوها، ولا ينبغي أن يجهد نفسه‏.‏ وكذا يجهر بالإقامة لكن دون الجهر بالأذان، لأنّ المطلوب من الإعلام بها دون المقصود من الأذان‏.‏ وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ أذان‏:‏ وإقامة‏)‏‏.‏

الجهر بالخطبة

26 - يستحبّ للخطيب أن يرفع صوته بالخطبة زيادة على أصل الجهر الواجب‏.‏

قال جابر‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته، واشتدّ غضبه، حتّى كأنّه منذر جيش يقول‏:‏ صبّحكم ومسّاكم‏.‏‏.‏‏.‏»

قال النّوويّ بعد أن ذكر الحديث‏:‏ يستدلّ به على أنّه يستحبّ للخطيب أن يفخّم أمر الخطبة ويرفع صوته ويجزل كلامه ويكون مطابقا للفصل الّذي يتكلّم فيه من ترغيب أو ترهيب‏.‏

هذا ويكون الجهر في الخطبة الثّانية أخفض من الأولى عند الحنفيّة‏.‏

ولم نعثر في المذاهب الأخرى على تفرقة بين الخطبة الأولى والثّانية من حيث الجهر والإخفاء‏.‏ وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ خطبة‏)‏‏.‏

الجهر والإسرار بالأذكار

27 - نقل ابن بطّال وآخرون أنّ جمهور الفقهاء متّفقون على عدم استحباب رفع الصّوت بالذّكر والتّكبير‏.‏ ويؤيّد ذلك قوله تعالى ‏{‏ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً‏}‏‏.‏ وبما روي عن «أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه قال‏:‏ كنّا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم وكنّا إذا أشرفنا على واد هلّلنا وكبّرنا ارتفعت أصواتنا فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا أيّها النّاس أربعوا على أنفسكم فإنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائباً إنّه معكم سميع قريب»‏.‏

وحمل الشّافعيّ الأحاديث الّتي تفيد رفع الصّوت بالذّكر على أنّه صلى الله عليه وسلم جهر وقتاً يسيراً حتّى يعلّمهم ‏(‏الصّحابة‏)‏ صفة الذّكر لا أنّهم جهروا دائماً، وقال‏:‏ فأختار للإمام والمأموم أن يذكرا اللّه تعالى بعد الفراغ من الصّلاة ويخفيان ذلك، إلاّ أن يكون إماما يريد أن يتعلّم منه فيجهر حتّى يعلم أنّه تعلّم منه ثمّ يسرّ‏.‏

قال ابن علّان‏:‏ يسنّ الإسرار في سائر الأذكار، إلاّ في القنوت للإمام، والتّلبية، وتكبير ليلتي العيد، وعند رؤية الأنعام في عشر ذي الحجّة، وبين كلّ سورتين من الضّحى إلى آخر القرآن، وذكر السّوق، وعند صعود الهضبات، والنّزول من الشّرفات‏.‏

وذهب بعض السّلف إلى أنّه يستحبّ رفع الصّوت بالتّكبير والذّكر عقيب المكتوبة، واستدلّوا بما رواه مسلم عن ابن عبّاس أنّ «رفع الصّوت بالذّكر حين ينصرف النّاس من المكتوبة كان على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقال ابن عبّاس‏:‏ كنت أعلم - إذا انصرفوا - بذلك إذا سمعته» ولأنّه أكثر عملاً وأبلغ في التّدبّر، ونفعه متعدّ لإيقاظ قلوب الغافلين‏.‏ وخير ما يقال في هذا المقام، ما قاله صاحب مراقي الفلاح في الجمع بين الأحاديث وأقوال العلماء الّذين اختلفوا في المفاضلة بين الإسرار بالذّكر والدّعاء والجهر بهما ‏"‏ أنّ ذلك يختلف بحسب الأشخاص والأحوال والأوقات والأغراض، فمتى خاف الرّياء أو تأذّى به أحد كان الإسرار أفضل، ومتى فقد ما ذكر، كان الجهر أفضل ‏"‏‏.‏

وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ إسرار، وذكر‏)‏‏.‏

الجهر بالدّعاء

28 - الدّعاء سرّا أفضل منه جهرا في الجملة لقوله تعالى ‏{‏ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً‏}‏ ولأنّه أقرب إلى الإخلاص وبذلك أثنى اللّه تعالى على نبيّه زكريّا إذ قال مخبراً عنه ‏{‏إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا‏}‏ والشّريعة مقرّرة أنّ السّرّ فيما لم يعترض من أعمال البرّ أعظم أجراً من الجهر‏.‏ وعدّ الغزاليّ خفض الصّوت بين المخافتة والجهر من آداب الدّعاء، واستدلّ بما روي أنّ أبا موسى الأشعريّ قال‏:‏ «قدمنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فلمّا دنونا من المدينة كبّر، وكبّر النّاس ورفعوا أصواتهم، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا أيّها النّاس‏:‏ إنّ الّذي تدعون ليس بأصمّ ولا غائب إنّ الّذي تدعون بينكم وبين أعناق رقابكم» وقالت عائشة رضي الله عنها في قوله عزّ وجلّ ‏{‏وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا‏}‏ أي بدعائك‏.‏ وقال الخطّابيّ‏:‏ يكره فيه الجهر الشّديد بالصّوت‏.‏ وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ دعاء‏)‏‏.‏

الجهر بالتّكبير في طريق مصلّى العيد

29 - لا خلاف بين الفقهاء في جواز التّكبير جهرا في طريق المصلّى في عيد الأضحى‏.‏

أمّا التّكبير في عيد الفطر فيرى جمهور الفقهاء أنّه يكبّر فيه جهراً، ويرى أبو حنيفة عدم الجهر بالتّكبير في عيد الفطر‏.‏

وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ تكبير، ف /14، ج /13، ص /213 وصلاة العيدين، وعيد‏)‏‏.‏

الجهر بالتّكبير في ليلتي العيدين

30 - صرّح الشّافعيّة والحنابلة والمالكيّة على القول المقابل للمشهور بأنّه يستحبّ للنّاس رفع الصّوت بالتّكبير في ليلتي العيدين في مساجدهم ومنازلهم وطرقهم وأسواقهم، وكان ابن عمر في فتية بمنى يسمعه أهل المسجد فيكبّرون، ويكبّر أهل الأسواق حتّى ترتجّ منى تكبيرا‏.‏ قال أحمد‏:‏ كان ابن عمر يكبّر في العيدين جميعا ويعجبنا ذلك‏.‏ ويستثنى من طلب رفع الصّوت المرأة، وظاهر أنّ محلّه إذا حضرت مع الجماعة ولم يكونوا محارم لها، ومثلها الخنثى‏.‏ وحكى ابن المنذر عن أكثر العلماء أنّه لا يكبّر ليلة العيد وإنّما يكبّر عند الغدوّ إلى صلاة العيد‏.‏ قال‏:‏ وبه أقول‏.‏ وللتّفصيل في أنواع تكبيرات العيدين، وصفتها، وحكمها، ووقتها، وسائر الأحكام المتعلّقة بها، ينظر ‏(‏عيد‏)‏ و ‏(‏صلاة العيد‏)‏ ويرجع أيضا إلى مصطلحي ‏(‏أيّام التّشريق‏)‏ ‏(‏وتكبير‏)‏‏.‏

الجهر بالتّلبية

31 - يرى جمهور الفقهاء أنّه يستحبّ للمحرم أن يرفع صوته بالتّلبية‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّه يندب له التّوسّط في تصويته بها فلا يبالغ في رفعه، ولا في خفض‏.‏ وللتّفصيل‏:‏ ‏(‏ر‏:‏ تلبية ف 5 ج 13 ص 263‏)‏‏.‏

الجهر بالسّوء من القول

32 - يجب الإنكار على من تكلّم بسوء فيمن كان ظاهره السّتر والصّلاح ولم يظهر ظلمه ‏;‏ لأنّ اللّه تعالى قد أخبر بقوله ‏{‏لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ‏}‏ أي أنّه لا يحبّ ذلك، وما لا يحبّه يكون محظوراً، فعلينا أن نكرهه وننكره‏.‏